السبت، 5 مارس 2011

"الأسباب الحقيقية لارتفاع الأسعار والمقترحات لمعالجتها" (دراسة)

اتحاد قوي التقدم: "الأسباب الحقيقية لارتفاع الأسعار والمقترحات لمعالجتها" (دراسة) الجزء الاول

 
1. مدخل
تواجه بلادنا حاليا أزمة اقتصادية غير مسبوقة يطبعها اتساع لدائرة الفقر وذلك بفعل عدة عوامل من بينها:

 ـ البطالة التي تشمل أزيد من 30% من القوى الحية؛
ـ تقلص أنشطة القطاع الخصوصي الوطني؛
ـ توجيه موارد الدولة إما نحو مشروعات بنى تحتية مزعومة وغير منسجمة مع أولويات البلد (الفيلة البيضاء)؛
ـ إفلاس بعض المؤسسات العمومية في الوقت الذي يتم فيه إنشاء مؤسسات أخرى ذات مردودية وجدوائية اقتصادية غير مؤكدة؛
ـ تدهور دخل سكان الريف بسبب انخفاض أسعار الأغنام؛
ـ الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الأولية؛
 
بعد أن قللت من شأن الوضع السائد (الوزير الأول تجاهل كليا قضية الأسعار في خطابه أمام الجمعية الوطنية بل اتهم المعارضة بتضخيم الأمور) أعلنت الحكومة بشكل مفاجئ، وهي في حالة ارتباك حيال ثورة الياسمين في تونس، وسط صخب دعائي كبير، عن عملية أسمتها "دكاكين التضامن" هدفها المعلن مساعدة السكان الأكثر فقرا (وقد أوفد اثنان من الوزراء في جولة عبر ولايات الوطن من أجل التطبيل لكذبة كبرى مفادها أنه تم تخفيض الأسعار بنسبة 30%). جرى ذلك في الوقت الذي نشر فيه بعض أنصار النظام دعاية أخرى مفادها أن الثورة في موريتانيا بدأت قبل الغليان الذي تشهده الساحة العربية على يد محمد ولد عبد العزيز.
 
وعلاوة على الطابع المشبوه لتلك العملية التي تمثلت في صرف أزيد من تسعة (9) مليارات من الأوقية على موارد الخزينة العامة المنهكة أصلا وخارجا عن الميزانية, لم يعرض بهذا الشأن أي مشروع أو مسطرة قانونية لتلك المصروفات خلال الدورة الاستثنائية للبرلمان التي افتتحت بعد ذلك بأيام قليلة.
وسنعرض فيما يلي تحليلا لنظام تموين السوق بالمواد الأولية وقراءة نقدية لعملية دكاكين التضامن بغية كشف طبيعتها الحقيقية قبل اقتراح إجراءات ملموسة من شأنها التخفيف من معاناة المواطنين إزاء الارتفاع المجحف للأسعار.
  II. العوامل الداخلية الحاسمة في ارتفاع الأسعار
 II-1. قيام احتكارات بالتواطؤ مع الدولة
يتم تموين السوق الوطنية أساسا من طرف عدد من المستوردين في ظل انخفاض المنتوج الوطني من الأرز والقمح والزيت بل انعدامه بالنسبة لمواد أخرى.
ويتولى ثلاثة من المستوردين تموين السوق بحوالي 30% من واردات الأرز والقمح والسكر.
ويبين الجدول التالي حصص أولئك الموردين وتطورها خلال الفترة من 2009 إلى 2010 بالنسبة للمواد الثلاث السالفة الذكر.
الجدول"1": حصص المستوردين الرئيسين الثلاثة
الموردون
الحصص خلال 2009
الحصص خلال 2010
مجموعة أهل غده
36%
43%
مجموعة أهل عبد لله (MA0A)
27%
24%
مجموعة أهل انويكظ
7%
12%
الجميع
70%
79%
 
يبين هذا الجدول بوضوح أننا أمام مجموعة تتمتع بهيمنة واسعة هي مجموعة أهل غده التي أصبحت تتحكم في 43% من السوق مقابل 36 % فقط للمنافسين الآخرين اللذين كانا أكبر مستوردين في البلد لغاية 2005.
إن مجموعة أهل غده بات بمقدورها اليوم أن تحدد وتفرض أسعار الأرز والقمح والسكر والزيت على كافة المستوردين الآخرين بما فيها المجموعتان المذكورتان في الجدول.
لقد انقلبت الموازين وتسارعت وتيرة التمركز الاحتكاري بصفة صارخة خلال السنتين الأخيرتين.
إن من حقنا إذن أن نتساءل عن تأثير الروابط الخاصة مع السلطة الحالية في هذا التحول السريع.
بفعل الصلات والتفاهمات التي أقاموها مع الأنظمة السياسية المتعاقبة وما استفادوه من تسهيلات وامتيازات جراء ذلك (إلغاء الرسوم الجمركية، تحويل العملات الصعبة بنسب مغرية، إعطاء الأولوية لبواخرهم في الميناء) تمكن المستوردون المقربون من السلطة من قلب الموازين وإقصاء الآخرين من السوق أو تحويلهم إلى موزعين. وهكذا تقلص عدد مستوردي مواد القمح والسكر والأرز من 15 إلى أقل من 5 خلال عشر سنوات.
إن احتكار مجموعة محدودة للسوق بهذا الشكل يفتح المجال لكل التجاوزات:(تفاهمات غير مشروعة على الأسعار، التحكم في شبكات التوزيع، افتعال أزمات وهمية في المواد، تصريحات مزيفة على البضاعة، ابتزاز المستهلك... إلخ).
إضافة إلى كون المستوردين والمستلمين نجد أغلبهم يعملون في نفس الوقت كأصحاب مؤسسات إيداع وعبور وناقلين لبضائعهم. فأمام تصريحاتهم المتناقضة بشأن نفس البضاعة لدى مختلف الشبابيك ( الجمارك, البنك المركزي الموريتاني ...) فإن السلطات العمومية تميل إلى غض الطرف و المجازفة بمداخيل معتبرة للخزانة العامة دون أن يكون لذلك انعكاس إيجابي على الأسعار.  ومن ثم فإن الباب مفتوح لجميع أشكال التحايل.
من هنا يختفي تنظيم السوق من خلال المنافسة الحرة طبقا لمفهوم " اليد الخفية المنظمة للسوق" التي تقوم عليها النظرية الليبرالية. وهكذا تفرض أسعار احتكارية دون مراعاة مبدأ التفاعل الحر بين العرض والطلب.  
ومع ذلك ففي الولايات المتحدة الأمريكية، معقل الليبرالية بامتياز، تم سن قوانين مناهضة للاحتكارات من أجل مكافحة استحواذ مجموعة ضيقة تفرض إرادتها على المجتمع بكامله.
أما في بلادنا فإننا نعتمد سياسة النعامة بإطلاق العنان للاحتكارات الخصوصية.
فهل كان ذلك ردا للجميل وتعويضا لتمويل عريضة حجب الثقة المشهورة والتي كانت حاسمة في الإطاحة بحكومة الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله سنة 2008, أو تعويضا للمساهمات السخية في تمويل الحملة الرئاسية لعام 2009؛
كما يحق لنا أن نتساءل عن من هو المستفيد من دفن شركة سونمكس التي كانت الأداة الوحيدة لتدخل الدولة في السوق والتي كانت السلطات العمومية تعهد إليها بمهمة صعبة وحيوية تتمثل في تثبيت الأسعار وكسر الاحتكارات الخصوصية.
ولا أدل على التدمير المتعمد لشركة سونمكس من كونها لم تستقبل أي باخرة منذ انقلاب 2008 مع أن الشركة نجحت إلى حد كبير في الاضطلاع بمهمتها وفي تثبيت الأسعار من خلال سيطرتها على 10% من السوق خلال سنتي 2007 و2008 عندما كانت تستقبل بواخر بشكل منتظم.
إن التخلي عن هذه الشركة وما آلت إليه اليوم رغم نجاحها في مهمتها الحيوية لا يمكن أن يكون وليد الصدفة.
 II-2. ارتفاع الأسعار، هوامش الربح المرتفعة والتضخم:
في محاولاتها لتبرير ارتفاع الأسعار تتذرع الحكومة دائما بالعوامل الدولية خصوصا "الاختلال الهيكلي بين العرض والطلب في السوق الدولية من جهة وبالظواهر الطبيعية مثل الحرائق في روسيا والفيضانات في استراليا من جهة أخرى".
وإذا كان من المسلم به أن الأسعار الدولية لبعض المواد الأولية تشهد في الوقت الحالي ارتفاعا مثيرا للقلق فإن من غير المقبول التغاضي عن كون السعر المطبق في السوق المحلية يشمل إلى جانب سعر الاستيراد الذي لا نتحكم فيه, مكونة وطنية تضم الأعباء والأرباح المختلفة التي يتحكم فيها دون شك أصحاب القرار في البلاد.
إن التحليل الموضوعي يبين بجلاء أن ما تشهده الأسواق الوطنية من ارتفاع للأسعار نتيجة للتفاعل ما بين العوامل الداخلية والخارجية. بيد أن السبب الرئيسي لهذا الارتفاع على الصعيد الداخلي يكمن في خضوع سوق المواد الأولية لسيطرة الاحتكارات بل أحدها بالتحديد بمباركة إن لم يكن بتواطؤ من السلطات العمومية. وتكمن المشكلة في هذا الصدد بالأساس في هوامش الربح المجحفة التي تحققها الاحتكارات على حساب المستهلك.
ويبين الجدول"2" التالي المستوى المرتفع بل والمكشوف لهوامش الربح التي يستفيد منها التجار في حين يوضح الجدول"3" الأعباء الإضافية المباشرة الناجمة عن تسيير الميناء. أما الجدول"4" والجدول"5" فيوضحان أن ارتفاع الأسعار لا يمكن إرجاعه للتضخم.
الجدول "2": الهوامش
 
سعر شراء الطن
سعر بيع الطن لصغار التجار
هامش المستورد
هامش المستورد بالنسبة المئوية
سعر بيع الطن للمستهلكين
هامش ربح التجار الصغار
هامش ربح التجار الصغار بالنسبة المئوية
مجموع الهوامش
السكر
225.950
248.000
22.050
9.75%
300.000
52.000
20.96%
74.050
الأرز
147.650
175.000
27.350
18.5%
220.000
45.000
25.7%
72.350
القمح
120.081
130.000
9.919
8.3%
140.000
10.000
7.69%
19.919
تعتبر الهوامش مرتفعة جدا سواء على مستوى التجار الكبار أو الصغار، إذ يقع كل ذلك على كاهل المستهلك: 74 أوقية على كلغ السكر مقارنة مع سعر وصوله إلى مخازن التاجر بالجملة, و72.35 أوقية على كلغ الأرز و19.9% على كلغ القمح وهو ما يمثل فروقا بنسبة 32.9% لمادة السكر و49% لمادة الأرز، و16.5% لمادة القمح تضاف على السعر النهائي بعد وصول المادة إلى المخازن.
من جهة أخرى فإن تفحص الأعباء التي تنضاف على سعر المادة عند وصولها الميناء لغاية وصول السعر النهائي الذي يدفعه المستورد يبين (الجدول 3) أن تلك الأعباء مرتفعة جدا ويمكن تقليصها. ويتعلق الأمر بتكاليف الإيداع وحقوق الميناء والجمارك ومكتب اليد العاملة والنقل نحو المدينة. كما أن بإمكان الدولة أن تتدخل للإسهام في تخفيض تلك التكاليف سبيلا إلى تخفيض الأسعار.