الثلاثاء، 25 يناير 2011

موريتانيا الجديدة!/ عبد الرحمن ودادي

نعم إنها جديدة و جديدة جدا رغم أن المناظر و الأشكال لم تتغير، الشحاذون على أطراف الطرقات ، نفس الطبقة الحاكمة مع اعادة ترتيب في المواقع، والشرطة هي نفس  الشرطة بثيابها المهلهلة و استجدائها الدائم ، نفس المناظر  في التلفزيون تقي الله الأدهم يستضيف ثلة من المنافقين و حزب الدولة يندد بالمعارضة الحاقدة و الحسودة و معارض ضعيف  ينبطح و برلمان يؤيد و يشكر و يثمن و يقدر إنجازات القيادة الرشيدة.


الجدة ليست في  الدكتاتورية ولا اختلاس أموال الدولة ـ فهاتان الرذيلتان تعايشنا معهما إلى حد الالفة ـ  و لا في تساقط الأكاذيب كما تتساقط أوراق الخريف .


صحيح ان الأسعار تجاوزت ما قبل حكم الجنرال ، رغم غياب أزمة غذاء دولية . كما ان الأسفار غير المبررة وصلت حدها الأقصى بل وصلت الى زيارة من لا يرغب  في رؤية وجه قيادتنا كما حدث في بوركينا ، و صحيح أن الإرهاب ضَرب بشكل أقوى و اكثر حدة ، وأن  خسائرنا العددية أكبر و أشد إيلاما.

صحيح أن اختلاس المال العام وصل حدا غير مسبوق في جميع العهود و الأزمنة ، فساد يقتصر على ثلة قليلة لا تشبع ، نهمة الى حد الجنون.

صحيح أن محاباة الأقارب كذلك ضربت الرقم القياسي ، وما صفقة ضبط الأسعار التي تجاوزت سعر السوق إلا دليل جديد على اصرار ولد عبد العزيز على تضخيم الغدة السرطانية على حساب تجار موريتانيا جميعا.


جل رؤساء موريتانيا منذ وصول العسكر للسلطة مستبدون أو دمى في أيدي المستبدين ، ولكن لهم درجة من الحياء تمنعهم من الاختلاس أو على الأقل تجعلهم يتركون الفتات في حالة قرروا أن يلِغوا في قوت الشعب.


جل رؤساء موريتانيا التي عرفنا يعادون جهة ما و قبيلة ما ، و لكن بخجل و تستر و حياء.
مع ذلك هناك  موريتانيا جديدة ، ووجه الجدة و الحداثة  سيادة نمط اخلاقي جديد يسميه البعض أخلاق الشارع و نسميه نحن سكان نواكشوط أخلاق "آلمودات".


إنه انتصار غرف المدائن  على الخيمة ، و السينما على المحظرة ، و الأفلام الهندية على الشعر، انه تربع الانحطاط على رأس الدولة و قمة المجتمع.
موريتانيا الجديدة فجة و قحة ، لا تراعي أي مشاعر، يحرق شاب نفسه و يترك وصيته على صفحات النت متاحة للقاصي و الداني يطالب فيها بالديمقراطية و الحرية و النزاهة و يموت أخ له حزنا وكمدا وفي الوقت نفسه يخرج رأس النظام شامتا   ليقول أنه أحرق نفسه لأنه يأس من الفساد!


نعم لقد أفسد أهل دحود على القيادة الوطنية  عندما طرحوا سعرا في منقاصه بنصف ما طرحت عصابة الصحة ، 67 مليون مقابل 128 مليون.
إنه الفساد بعينه ، كيف يحرمون القيادة من ربح 61 مليون اوقية في غمضة عين ، مبلغ قد يساهم في زيادة الثروة، مبلغ يمكن ان يفتح حماما جديدا  أو يزيد أسطول الشاحنات  أو يشتري قطعة أرض على ناصية شارع كبير!


كل من يتابع الشأن العام يعرف ما تعرض له أهل دحود و وأبناء عمومتهم، بدأ بالحرمان المنظم من الصفقات و الذي افتضح امره في تسجيل تناقلته وسائل الإعلام فيه حديث صريح بين الأمين العام لوزارة الصحة وبعض جلسائه ، بل وصل أحدث وسائله بعدم دفع مستحقاتهم على الدولة و ارسال أبناء عمومتهم لموت محقق على أرض أجنبية.


المؤلم في الأمر أن ولد عبد العزيز استخدم لظلمهم أقرباء لهم اختيروا بعناية وتمحص، عرفوا في ماضيهم بقلة النزاهة، ليتم استخدامهم لتغطية السرقات وظلم الأهل و مسبة الأعيان و الجيران بشتائم وعبارات  تتأفف منها الوكالة الموريتانية للأنباء.


يتبين هذا الاستخدام في خروج احد نواب الأغلبية من أقرباء الجنرال في سابقة من نوعها على شاشات التلفزيون و في جلسة برلمانية يسخر من صفقات وزارة الصحة و محاولات تغطية الوزير الأول على خال أبنائه.  نعم انه الدور المطلوب و التمويه المقصود بعد أن كُشفت فضائح وزارة الصحة ، ولم يبق إلا ان يتحول الوزير بائع الدم و الضمير لكبش فداء لإخفاء المستفيد الحقيقي من كل هذا الفساد.


مع كل هذا تجاوز يعقوب ولد دحود نفسه و آلامه و مظلوميته ولم يتكلم في وصيته بحرف واحد عما تعرض له هو و أهله وعشيرته.
ترفع يعقوب عن الذاتي لصالح الموضوعي و الشخصي لصالح العام ، لاقى وجه ربه بقلب يحمل حب موريتانيا ويتألم لحالها وسوء منقلبها.
تألم يعقوب لقضاء يحكم بستة اشهر على من يعبّد الأطفال و بسنة لمن يبلغ عن ذلك ، تألم يعقوب لدولة تحكم بمنطق الغنيمة و الغرم ، منطق الهنتاتة و قطاع الطرق...... ، تألم لأحفاد المجاهدين  يقتلون لحماية المستعمر، تألم يعقوب و حق له أن يتألم.

لك الله  يا فتى آل رسول الله ،  لك الله ايها الضمير الحي و النفس الحرة و الروح الأبية ، ستبقى في نفوسنا ما بقي الليل و النهار و الله اننا بفقدك لمحزونون و لدمائك لذاكرون و للشامتين بك للاعنون ولا حول و لا قوة إلا بالله.

ليست هناك تعليقات: